الأربعاء، 25 ديسمبر 2013
14 يوما هزت الكويت للكاتب طارق العيدان
شهادات الخرافي والعنجري والرومي الحلقة (2)
تم النشر في 2013/12/22
14 يوما هزت الكويت
=========
===========
==========
«يشترط لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية ألا يفقد شرطا من الشروط الواجب توافرها في ولي العهد. فإن فقد أحد هذه الشروط أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، فعلى مجلس الوزراء -بعد التثبت من ذلك- عرض الأمر على مجلس الأمة في الحال لنظره في جلسة سرية خاصة، فإذا ثبت للمجلس بصورة قاطعة فقدان الشرط أو القدرة المنوه عنهما، قرر بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، انتقال ممارسة صلاحيات الأمير إلى ولي العهد بصفة مؤقتة أو انتقال رئاسة الدولة إليه نهائيا».
المادة 3 من قانون رقم 4 لسنة 1964 في شأن أحكام توارث الإمارة.
15 يناير
الوفاة.. وبداية الأزمة
في مساء الأحد 15 يناير، هبطت طائرة الخطوط الجوية الكويتية في مطار الكويت الدولي قادمة من العاصمة البريطانية لندن، وعلى متنها رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، الذي قطع إجازته الخاصة، بعدما تلقى اتصالاً هاتفياً فجراً من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -آنذاك- الشيخ نواف الأحمد، أبلغه فيه بوفاة أمير الكويت الثالث عشر الشيخ جابر الأحمد الصباح، وإعلان وزير الإعلام د.أنس الرشيد الحداد الرسمي.
سؤال الساعة
في خطوات مثقلة، نزل الخرافي من سلم الطائرة، ليجد نفسه محاطاً بالكاميرات والميكروفونات التلفزيونية العربية والأجنبية الحاضرة لاستقباله، وهو الذي لم يسعفه الوقت ليحضر مراسم الدفن عصر ذلك اليوم، وكان في مواجهة سؤال الساعة: ما الإجراءات الدستورية التي ينبغي اتباعها في ظل وفاة الأمير، ومناداة مجلس الوزراء بسمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح أميرا للبلاد، والتي تأتي تطبيقاً للأسس الدستورية والقانونية، وترافق ذلك أنباء عن سوء حالته الصحية، والتي ربما قد تمنعه من ممارسة مهامه أميراً للكويت؟
فاجعة غير مألوفة
الخرافي، بصفته رئيساً لمجلس الامة، وهي مؤسسة لها دور دستوري، أكدت الأيام أهميته في انتقال السلطة، والرجل الثالث في الدولة لا يزال متأثراً بالفاجعة ليس لأبعادها الاجتماعية والنفسية وحسب، بل بأبعادها السياسية والدستورية غير المألوفة في الكويت والمنطقة بأسرها، تنهد ونظر إلى وجوه الصحافيين ليرد على أسئلتهم المُلحّة بحذر: «إن سمو الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم كان أميراً عندما أقسم، ولكنه قد لا يكون اقسم بالنص نفسه، إلا أنه كان حينها أميراً، وبالتالي الجزء الذي اقسم به قد لا يكون النص الكامل، ولكن اعتقد أيضاً أن ليس هناك خلاف على قسم سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله وفق النصوص الدستورية الواضحة، وهي واضحة إلى درجة أن ليس لها أي توضيح آخر في المذكرة التفسيرية، وبالتالي الإجراء الدستوري المطلوب هو القسم وتلاوته».
وأضاف رئيس المجلس ان «الشيخ عبدالله السالم أقسم ولكنه لم يكن قسماً بالكامل، وكونه كان أميراً فلا يعتد بحالته بالنسبة للوضع الحالي فيجب على سمو الأمير الشيخ سعد أن يقسم».
اجتماع بالغ الحساسية
وكان مجلس الوزراء قد انخرط فور الانتهاء من مراسم الدفن في اجتماع ذي حساسية بالغة، وإن بدا أنه بروتوكولياً، وفقا للسياقات الدستورية، التي تنص على مناداة سمو ولي العهد أميراً للبلاد بعد وفاة الأمير، كما قرر المجلس أن تكون اجتماعاته مفتوحة إلى حين الانتهاء من الإجراءات الدستورية التي يبدو أنها آخذة في التحول إلى أزمة حكم. (1)
وهنا نضع بيان مجلس الوزراء كما جاء حرفياً، وهو إجراء اعتيادي، ولكن الأيام التي ستليه لن تكون اعتيادية أبداً، وستبقى محفورة في أذهان الكويتيين إلى الأبد:
بسم الله الرحمن الرحيم
ببالغ الحزن والأسى ينعى مجلس الوزراء إلى شعب الكويت الوفي وإلى الأمتين العربية والإسلامية وإلى الدول الصديقة أمير دولة الكويت وراعي نهضتها حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، حيث وافاه الأجل المحتوم فجر يوم الأحد 15 ذو الحجة 1426هـ الموافق 15 يناير 2006 عن عمر يناهز التاسعة والسبعين، وسيوارى جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة الصليبيخات في الساعة الثالثة والنصف من بعد عصر اليوم.
ولا يسع مجلس الوزراء إزاء هذا المصاب الجلل إلا الامتثال لمشيئة الخالق وسُنة الكون والتمسك بالصبر، ضارعا إلى الله جلت قدرته أن يتغمد الأمير الراحل بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته ويجزيه خير الجزاء على ما قدم لوطنه وأمته وعملا بأحكام الدستور، والمادة الرابعة من القانون رقم 4 لسنة 1964 في شأن أحكام توارث الإمارة، فإن مجلس الوزراء ينادي بخليفته وولي عهده حضرة صاحب السمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح أميرا على البلاد، مبتهلا إلى العلي القدير أن يكلأ سموه بعنايته ورعايته، وأن يسدد خطاه ليكون للكويت والامتين العربية والإسلامية خير خلف لخير سلف، إنه سميع مجيب..
و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
16 يناير
تلاوة القسم
دبّت الحركة في مبنى مجلس الأمة بعد تأدية النواب واجب العزاء، وبدأت الأفواج النيابية تتوافد إلى مكتب رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي ظهراً، تلبية لدعوة مفتوحة من مكتب المجلس للنواب، لمناقشة الأجواء السياسية الراهنة، وسط غموض دستوري بشأن الإجراءات التي قد تتخذ وفقا للتسلسل الدستوري القانوني، نظرا الى الحالة المرضية التي تعرض لها سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله الذي نودي به أميراً، وعما إذا كانت حالته الصحية ستمكنه من تولي المسؤولية الدستورية لإدارة البلد، وفقا لما طرحه الخرافي بعد نزوله من سلم الطائرة عائداً للكويت، وتشديده على ما هو مطلوب من الأمير بأداء «القسم وتلاوته» أمام المجلس، وهنا تكمن المشكلة في مسألة «تلاوته».
شهادة تاريخية
وأدلى رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي للمرة الأولى بشهادته التاريخية للمؤلف في مقابلة خاصة عن «أزمة الحكم» (2)، وقال إنه باشر أعماله رئيسا للمجلس بزيارة مكتبه في صباح اليوم (الإثنين 16 يناير)، قبل مغادرته مجدداً لأداء واجب العزاء للأسرة الحاكمة، ثم العودة إلى مبنى مجلس الأمة لحضور اجتماع مكتب المجلس.
تباين.. واجتهادات
ولم يستطع الخرافي من الناحية السياسية أن يدعو إلى جلسة لمجلس الأمة، لمناقشة ما يترتب على وفاة سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد، والمناداة بسمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله أميراً للبلاد، بعد أن اعلن نواب آخرون عن رأي مغاير للذي ادلى به رئيس المجلس تقدمهم النائب أحمد السعدون بشأن أداء سمو الأمير اليمين الدستورية.
توقف الخرافي لبرهة من الزمن، كأنه يستعيد تلك اللحظات التاريخية قبل أن يستفيض في شرح طريقة عقد مكتب المجلس اجتماعه قائلا «دعوت إلى اجتماع مكتب المجلس، إلى جانب توجيه الدعوة إلى النواب كافة لمن يرغب في الحضور، والجميع محط ترحيب لدينا، وكانت الغاية من وراء هذه الخطوة أن يتم إشراك النواب مع أعضاء المكتب في القرار من دون إجراء رسمي».
تقع قاعة اجتماعات مكتب المجلس الواسعة على بعد خطوات من مكتب رئيس المجلس في الطابق العلوي من مبنى المجلس المطل على ضفاف الخليج العربي، أمر الخرافي أن يتم تزويد القاعة بكراسي تكفي لاستضافة جميع النواب التسعة والأربعين.
ولم تؤثر دعوة النواب كافة في آلية انعقاد مكتب المجلس وفق اللائحة، لكون الترتيبات التي طلبها رئيس المجلس جاسم الخرافي تضمنت جدولاً للحضور لأعضاء مكتب المجلس السبعة، وهم رئيس المجلس ونائب الرئيس، وأمين السر والمراقب، ورئيسا لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والتشريعية والقانونية، إضافة إلى الأمين العام للمجلس.
حافظ أعضاء مكتب المجلس على النصاب اللازم لعقد الاجتماعات على الدوام، وبقي جدول أعمال الاجتماع خاصا لأعضاء المكتب، كما هو مفتوح لباقي النواب لبحث ومناقشة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وبهذه الطريقة فإن الاجتماعات أديرت بطريقة متوائمة مع الدستور واللائحة.
انتقال السلطة
افتتح رئيس المجلس جاسم الخرافي الاجتماع، وهو الأول لمكتب المجلس، يرافقه على يمينه نائب الرئيس مشاري العنجري، الذي بدأ بمناقشة ملف آلية انتقال السلطة من سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله، الذي نودي به أميراً تلقائيا وفق النصوص الدستورية.
وقبل إغلاق النواب غرفة الاجتماعات سبقتهم السجالات بشأن آلية تأدية سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية وفق المادة 60 من الدستور، وهي المادة التي لم يرد في الدستور تفسير أو طريقة محددة لتأديتها.
تساؤلات غير مسبوقة
نائب رئيس مجلس الأمة مشاري العنجري قال في شهادته(3) إن الاجتماع تضمن تساؤلات تاريخية غير مسبوقة طرحت على الطاولة، في مقدمها السؤال الجوهري «إن كانت نافذة صلاحيات سمو ولي العهد الذي نودي به أميرا، وهل تنطبق عليه شروط الإمارة؟ مع معرفة الجميع مسبقا بسوء حالته الصحية، وبالتالي برز السؤال الصعب: من سيتولى الإمارة؟ هل هو مجلس الوزراء؟، لاسيما أن ولي العهد نودي به أميرا، وأصبحت ولاية العهد شاغرة، والمنادى به أميرا قد يكون فاقداً القدرة الصحية، فمن سيدير شؤون البلاد؟».
حنكة سياسية
الخرافي بحنكته السياسية استطاع احتواء الموقف عبر التشديد على أهمية الانصياع لمواد الدستور، وتطبيق مواده بحذافيرها، ويعني ذلك أن من سيتولى إمارة الكويت عليه أن يؤدي اليمين الدستورية كاملة أمام مجلس الأمة، كما يعني حتمية أداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله القسم أمام أعضاء المجلس، والتشديد مرة أخرى على «تلاوته»، والتي ستكون المسألة الحاسمة في مسار الحدث الذي سيتحول إلى أزمة في القادم من الأيام.
وبدأت الاعتراضات النيابية في الظهور عند مناقشة اليمين الدستورية لسمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله، وهنا توجهنا إلى النائب عبدالله الرومي(4) الذي يعتبر من أكثر النواب خبرة في المجال القانوني، وسجل شهادته وروى «أن عدداً من النواب قالوا إنه لا حاجة لسمو أمير البلاد الشيخ سعد لحضور جلسة القسم، لأن القسم ليس قرآنا، ولم يحدد الدستور إطارا لتأديته».
وانتفضت الغالبية النيابية المتواجدة في قاعة الاجتماعات للتصدي لذلك التوجه، التي رفضت هذا الطرح، بذريعة أن اليمين الدستورية تتعلق مباشرة بإدارة البلد، ومن الضروري في مثل هذه الأوقات الدقيقة أن يتم الالتزام بالشكل الدستوري للقسم والتشبث بأحكام الدستور.
رئيس المجلس جاسم الخرافي دعم هذا التوجه من خلال «تأكيد أن مسألة أداء اليمين الدستورية أمر لا يستهان به، لأنه يتعلق مباشرة بتفعيل تولي الإمارة بشكل دستوري».
وأضاف الخرافي أن أساتذة القانون الدستوري أجمعوا على أنه في حالة عدم قدرة سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله على تأدية اليمين الدستورية فإن ذلك يثبت للمجلس بشكل قطعي عدم أهليته لتولي مهام الإمارة، ولهذا يرجع سبب ورود تلاوة القسم في الدستور، وألزمها في تفعيل تولي الإمارة.
تكريم أم تحطيم؟
كان جلياً أن الخلاف الذي ساد الاجتماع لا يتعلق بشخص سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله الذي يكن له جميع النواب الاحترام والتقدير، لكن الآراء التي طرحت كانت تشدد على أن لا مجال للمجاملات في مقابل مصلحة البلد، وأن حرمان سمو أمير البلاد الشيخ سعد من تولي الإمارة بداعي المرض لا يعد انتقاصا من حقه، لأن الإنسان معرض للإصابة بالأمراض.
ويتابع نائب رئيس مجلس الأمة مشاري العنجري الإدلاء بشهادته التاريخية وقال «طرحت بعض الأفكار بأن يتولى سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله الإمارة لأشهر أو أسابيع تكريماً له، ولكن رفض هذا الرأي بإصرار، لكون الجميع على دراية أن سموه فاقد للقدرة الصحية لإدارة البلد، وهذا الرأي لا يمكن أن يكون تكريما له وإنما تحطيم لتاريخه، ولا ينطوي على أسس دستورية أو إجرائية».
الهوامش
(1) جريدة القبس، 17 يناير 2006، رقم العدد 11715، الصفحة السادسة.
(2) مقابلة خاصة مع المؤلف أجريت في 5 مارس 2013.
(3) مقابلة خاصة مع المؤلف أجريت في 2 أغسطس 2011.
(4) مقابلة خاصة مع المؤلف.
الحلقة الثالثة:
دعوة السعدون لـ«التساهل» صدمة تثير الزوابع
• كتب
==============
=============
============
الحلقة الثالثة:
===========
=========
========
العدد 14572 - تاريخ النشر 24/12/2013
تاريخ الطباعة: 25/12/2013
اطبع
________________________________________
دعوة السعدون لـ«التساهل» صدمة تثير الزوابع- (3) :
===================
=================
===============
تأليف طارق العيدان
========
========
========
يواصل الزميل طارق العيدان في الحلقة الثانية من كتاب «14 يوماً هزت الكويت» استعراض المواقف في مجلس الأمة بشأن مراسم أداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية.
العودة إلى النصوص الدستورية
على الجانب الآخر من اجتماع، مكتب مجلس الأمة المنعقد بصفة دائمة، لبلورة الموقف الدستوري من أداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية، أدلى النائب أحمد السعدون الرئيس السابق لمجلس الأمة بتصريح لراديو لندن أثار الزوابع (1)،
حدد السعدون في تصريحه موقفه المؤيد «للتساهل» في مراسم أداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية قائلا «لا توجد أزمة في هذا الشأن، وأعتقد أن الأزمة لا توجد إلا في أذهان من حاول أن يفتعلها، لأننا بلد دستوري، ونعتقد أن مجلس الوزراء اتخذ خطوات صحيحة بإعلانه، وفقا للدستور ووفقا لقانون توارث الإمارة صاحب السمو الشيخ سعد أميرا للبلاد، وعموما النصوص واضحة وصريحة، وعندنا أيضا سوابق، الشيخ سعد هو الآن أمير الكويت ولا يمكن لأي أحد أن يقول غير ذلك».
وعن القسم الدستوري، أشار السعدون إلى أنه يجب الالتزام بما هو منصوص عليه في الدستور، ولا خلاف على ذلك، لكن أيضا علينا أن نعود إلى السوابق في هذا الشأن وكيفية أداء القسم، وليس مثلما يقول بعض الخبراء الدستوريين الذين يحاولون أن يفصّلوها بالشكل الذي يريده بعض الأطراف، وأنه يجب أن يقسم كذا، ويجب أن تكون سرية، إن هذا الكلام ليس صحيحاً، فالقسم الدستوري ليس له طريقة معينة أو أسلوب محدد، ويمكن أن يكون في جلسة علنية وسرية وهو أمر يقرره المجلس.
الخرافي يرد
تصريح السعدون شكّل صدمة لعدد واسع من النواب. ويرى رئيس المجلس جاسم الخرافي أن الرأي الدستوري الذي طرحه السعدون بالتساهل في مراسم أداء اليمين الدستورية لسمو الأمير الشيخ سعد العبدالله لم يستند الى أسس دستورية سليمة، مستغرباً أن يتبنى السعدون مثل هذا الرأي وهو المشهود له بعدم التساهل في تطبيق لائحة المجلس، وكان سمو الأمير الشيخ سعد أحد الذين طبق السعدون عليه اللائحة عندما ألزمه في إحدى جلسات المجلس بالوقوف أثناء حديثه عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء.
حادثة الكلام وقوفاً
وتعود هذه الحادثة إلى جلسة فض دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الثامن لمجلس الأمة في 5 أغسطس 1998(2)، والتي انسحب فيها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، عندما ألقى رئيس مجلس الأمة آنذاك أحمد السعدون كلمته بمناسبة فض دور الانعقاد جالسا على المنصة، وفق العرف البرلماني، وبعد انتهائه منها، أذن لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله بالكلام، إلا أن سموه بدأ بالحديث جالسا على كرسيه في قاعة عبدالله السالم.
طرق السعدون مطرقته مقاطعاً حديث سمو الشيخ سعد العبدالله قائلا «لا يجوز لسموك الحديث جالسا حسب اللائحة، وأنه من المفترض أن يكون على المنصة، او على الأقل وقوفا من مقعدك»، وعقب سمو الشيخ سعد العبدالله وهو يهز رأسه علامة على الرفض «آسف، آسف، آسف»، ثم غادر القاعة.
وفقا للائحة الداخلية لمجلس الأمة نصت المادة 85 منه على أن «يتحدث المتكلم واقفا من مكانه أو من على المنبر، ويتحدث المقررون من على المنبر ما لم يطلب الرئيس غير ذلك».
واشار أمين سر المجلس حينذاك بدر الجيعان(3) الى أن العرف البرلماني استقر على أن يدلي رئيس المجلس بكلمته في فض دور الانعقاد جلوسا على منصة الرئاسة، أما في حال وجود سمو أمير البلاد في جلسة الختام أو الافتتاح فإن الرئيس يلقي خطابه في هذه الحالة واقفا.
تصريحات الرئيس
عودة إلى اجتماع مكتب المجلس الذي انفض من دون صدور بيان، كما جرت العادة بعد الانتهاء من أي اجتماع، إذ فضل المكتب ألا يصدر بيانا حتى لا يكون مصدر تشويش على الجهود التي تبذل لحسم الأزمة.
أسفر الاجتماع عن الاكتفاء بتكليف رئيس المجلس جاسم الخرافي الإدلاء بتصريح يومي يطلع فيه الرأي العام والشعب الكويتي بالإجراءات التي تتخذ في وقتها، ولم تكن الحكومة قادرة على التصريح لكونها طرفا في الأزمة، إضافة إلى انشغالهم في البحث عن المخارج لها.
إيضاح الصورة
الخرافي أكد أنه كان شديد الحرص على إيضاح الصورة أمام الجميع بالالتزام بصرامة بأحكام الدستور ومذكرته التفسيرية، لبثّ الطمأنينة في نفوس الكويتيين. مع تأكيد أن الكويت ستظل بخير وذاهبة إلى الحل السليم، وحضّ جميع الأطراف على التعاون والمحافظة على الروح الكويتية التي تسود في مثل هذه المواقف الحاسمة، وحرص ألا يذكر الخلافات التي شهدتها أسرة الحكم.
بدوره، قرر مكتب المجلس أن تكون اجتماعاته مفتوحة طوال أيام الأسبوع لحين الانتهاء من الأزمة الدستورية التي تعيشها البلاد. ويستذكر النائب عبدالله الرومي أجواء الاجتماع الأول لمكتب المجلس بأن عدداً من النواب حرصوا على الحضور المبكر إلى مكتب الرئيس جاسم الخرافي، وعندما كان النصاب اللازم لعقد الاجتماع يُستكمل ينتقل النواب إلى قاعة اجتماعات مكتب المجلس.
.. مفاجأة
وكانت المفاجأة أن عدداً كبيراً من النواب يعتذرون عن دخول الاجتماع، وعندما استفسر عن أسباب عزوفهم كانت ردودهم أنهم لا يريدون أن يحسبوا على أي طرف، وهذا الموقف يدلل من وجهة نظر الرومي على أن هؤلاء تابعون لا يملكون قرارهم.
ولعب رئيس المجلس جاسم الخرافي دورا محوريا مهما منذ بداية الأزمة، ويشهد الرومي أن «الخرافي كان حلقة الوصل بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء والأسرة الحاكمة. وكان يقوم بإبلاغ مكتب المجلس والأعضاء فور وصول أي معلومات جديدة تتعلق بالأزمة، ويحرص على عقد اجتماعات مكتب المجلس الموسعة مع الأعضاء يوميا منذ التاسعة والنصف صباحا، وكانت الاجتماعات تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، وكانت المعلومات تصل إلى الرئيس والأعضاء كل عشر دقائق تقريبا».
ويتوافق نائب رئيس المجلس مشاري العنجري مع الرومي «إن الاجتماعات كانت تعقد يوميا، وهي غير ملزمة، وكان لافتا عدم حضور عدد واسع من النواب، وأبرز الغائبين النائب أحمد السعدون».
17 يناير
انتهت مراسم العزاء في ذلك، وعقدت الأسرة الحاكمة اجتماعا تم خلاله، وفق ما نشرت وسائل الإعلام، بحث آلية انتقال الحكم والخطوات المترتبة عليها، إلا أن الاجتماع حسب المنشور لم يسفر عن أي نتائج. وعلى النقيض أظهر انقساما داخل الأسرة الحاكمة أدى إلى انسحاب عدد واسع من أعضاء الأسرة من ذرية مبارك الصباح الذين حضروا الاجتماع.
18 يناير
استمرت اجتماعات مكتب المجلس المفتوحة مع النواب، وتم تداول الأخبار عن الحالة الصحية لسمو الأمير الشيخ سعد العبدالله، وآخر تطورات اجتماعات الأسرة الحاكمة.
19 يناير
طغى الهدوء طوال اليوم لكونه عطلة نهاية الأسبوع، من دون ورود أي معلومات او تطورات في أسباب انسحاب بعض أعضاء الأسرة من ذرية مبارك الصباح.
20 يناير
اجتماع أسرة الحكم
اجتمع نحو ألف شخص ينتمون إلى مختلف أطياف الأسرة الحاكمة من أحفاد ذرية مبارك الصباح وغيرهم في دار سلوى مقر إقامة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الأحمد، وبثت وكالة الأنباء الكويتية «كونا» بيانا صحفياً عن نتائج الاجتماع جاء نصه (4):
«توافد أمس الجمعة في العشرين من شهر ذي الحجة 1426هجرية الموافق يوم العشرين من شهر يناير 2006 عدد كبير من أبناء أسرة آل صباح الكرام إلى دار سلوى، والتقوا بسمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حيث جددوا لسموه الثقة التي أولاها إياه صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد الراحل، طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، في شهر رمضان الماضي 1426هـ، وناشدوا سموه القيام بمسؤولياته لمواصلة قيادة مسيرة الخير المباركة للوطن العزيز الكويت والوصول به إلى بر الأمان».
«وقد أعرب سموه عن خالص شكره وتقديره على هذه الثقة الكبيرة، سائلا المولى تعالى أن يوفقه ويعينه على تحملها، منبهاً سموه إلى الظروف التي تتطلب توحيد الكلمة والصف والتكاتف لما فيه خير الوطن ومصلحته. مؤكدا عزمه على تحمّل هذه المسؤولية الكبيرة بروح ملؤها التطلع والأمل لتحقيق كل ما يصبو إليه الوطن والمواطنون من عزة ورفعة وازدهار.
مستلهما بذلك ومسترشدا بتوجيهات ورؤى والد الكويت البار وفقيدها صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله رحمة واسعة، والتي ستكون نبراسا للسير على نهجه.
مشيدا في الوقت ذاته بأخيه صاحب السمو الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح واسهاماته المقدرة في إرساء دعائم النهضة المباركة لوطننا العزيز في مختلف جوانبها، ودور سموه البطولي والتاريخي المشهود إبان فترة الغزو والاحتلال العراقي ومعركة التحرير، والتي ستظل خالدة في سجل تاريخ الوطن، مبتهلا إلى الباري جل وعلا أن ينعم على سموه الكريم بوافر الصحة والعافية والعمر المديد، ليظل والداً للجميع، ضارعا إلى المولى جلت قدرته أن يتغمد بواسع رحمته ومغفرته والد الكويت البار وقائدها صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وأن يسكنه جنات الفردوس مأوى ونزولا مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان والازدهار».
كان لافتا حضور كبير من ممثلي أسرة الصباح، منهم الشيوخ: نواف الأحمد الصباح، وجابر العبدالله الجابر، وفيصل السعود، وناصر المحمد، وسالم الصباح الناصر، وجابر المبارك، ومبارك جابر الأحمد وصباح جابر العلي، وطلال خالد الأحمد وضاري فهد الأحمد، ومحمد العبدالله المبارك، ومحمد صباح السالم وجابر الخالد.
دعوة من قصر الشعب
الحدث غير المتوقع، كان تلقي رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي عبر الفاكس دعوة من قصر الشعب، تطلب المجلس للانعقاد لتأدية سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية، جاء فيه:
«قصر الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس الأمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
استناداً للمادة 60 من الدستور فقد قررت أداء اليمين الدستورية أمام مجلس الامة في جلسة خاصة في الساعة السادسة والنصف مساء يوم الأحد 22 ذو الحجة 1426هـ الموافق 22 يناير 2006.
عليكم اخطار مجلس الأمة بالرغبة الأميرية وفقا للدستور
أمير دولة الكويت.
صدر في قصر الشعب يوم الجمعة 20 ذو الحجة 1426 الموافق 20 يناير 2006».
====================================================================
=============================================================
الهوامش
1 - جريدة القبس، 18 يناير 2006، رقم العدد 11717، الصفحة الأولى
2 - مضبطة جلسة مجلس الأمة بتاريخ 5 أغسطس 1998، في صفحتي 70 و71، وجريدة الأنباء 6 أغسطس 1998، رقم العدد 7982.
3 - جريدة الرأي العام 7 أغسطس 1998، رقم العدد 11369.
4 - جريدة القبس، 21 يناير 2006، رقم العدد 11720 صفحة 2.
الحلقة الرابعة:
بيان أعيان الكويت ومثقفيها
________________________________________
جريدة القبس
14 يوما هزت الكويت الحلقة 4
========
=========
بيان أعيان الكويت ومثقفيها: لا معالجة للأزمة إلا وفق الدستور - (4)
=================================
=============================
تأليف طارق العيدان
==========================
=====================================
يواصل الزميل طارق العيدان في الحلقة الرابعة من كتاب 14 يوما هزت الكويت استعراض ما جرى بعد الاجتماع الحاشد في قصر سلوى، الذي شارك فيه حوالي ألف شخص من أسرة آل الصباح، بايعوا سمو الشيخ صباح الأحمد، تلقى رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي رسالة بالفاكس من قصر الشعب بطلب تحديد موعد جلسة خاصة كي يؤدي سمو الشيخ سعد العبدالله القسم الدستورية أميرا للبلاد. أوضح الرئيس الخرافي ان الرسالة لم تكن ممهورة بختم الشيخ سعد المعتاد في مراسلاته الرسمية الصادرة عنه. فضلا عن ان الرسالة مذيلة بتوقيع الكتروني وليس يدويا.
◄ كلمة الشعب
في خضم كل هذه الأحداث بالغة الأهمية، كان لابد أن يكون للشعب الكويتي كلمة في ما يجري، وهذا ما حصل عبر البيان الشعبي الذي أصدرته نخبة من أعيان الكويت ومثقفيها، وشدد على ضرورة ألا تخرج أي معالجات لهذه الأزمة، إلا «وفق ما قرره دستور 1962 وقانون توارث الإمارة ذو الصفة الدستورية»، ونورد البيان نصاً:(1)
إن ما أظهره الكويتيون جميعاً من روح وفاء وتضامن ووحدة وطنية والتفاف حول الشرعية الدستورية عندما رزئت الكويت بوفاة المغفور له صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، كان التعبير الأصيل عن مدى التلاحم بين أبناء الأمة وأفراد العائلة الكريمة، التي هي جزء لا يتجزأ من صميم الشعب، مثلما أكدت ذلك بالنص الحرفي المذكرة التفسيرية لدستور 1962، وقبلها وبعدها كانت هذه ولا تزال طبيعة العلاقة الحميمة طوال تاريخ الكويت؛ وفي حاضرها؛ وكذلك في مستقبلها بإذن الله.
◄ تجاذبات غير معتادة
إن الكويت الآن أحوج ما تكون إلى تعزيز هذه الروح وتأكيد هذه العلاقة، وترتيب أوضاع بيت الحكم وإدارة الدولة على أسس ملائمة لتستأنف بلادنا مسيرتها الوطنية وتواجه استحقاقات الحاضر وتحديات المستقبل، في ظل وضع إقليمي حساس ومضطرب وواقع دولي متسارع التغيّر.
إلا أن ما يخيم على البلاد هذه الأيام من أجواء غير مستقرة وتجاذبات واستقطابات غير معتادة تتصل ببيت الحكم، أصبحت تثير في نفوس الكويتيين جميعا القلق المشروع، خصوصا بعد أن اتضحت الآن، وبالملموس، عواقب ذلك التسويف والإرجاء ونتائج تجاهل ما كان المخلصون من أهل الكويت قد نبهوا إليه خلال السنوات الثلاث الأخيرة الماضية، في شأن ضرورة تفعيل قانون توارث الإمارة كسبيل دستوري سليم لترتيب أوضاع الحكم ومستقبله ولسد ما كان قد برز من ثغرات.
◄ نداء العقل لأبناء العائلة
وأمام هذا كله، فإننا نهيب بأعضاء العائلة الكريمة أن يضعوا أمام أعينهم المصلحة الوطنية العليا للكويت، وأن يحكموا العقل، بعيداً عن العواطف والمصالح، الذاتية أو الآنية، وأن يتجنبوا ترك الأمور عالقة ومفتوحة على مختلف الاحتمالات.
وكذلك فإننا ندعو المؤسسات الدستورية في الدولة، خصوصا السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلى القيام بمسؤولياتها في التعامل مع الوضع وتلمس السبل الصحيحة لمعالجة الأمر، وفق ما قرره دستور 1962، وقانون توارث الإمارة ذو الصفة الدستورية، آملين أن تأتي المعالجات منطلقة بالأساس من مصلحة الكويت قبل مصلحة الأشخاص، وأن تهدف إلى توفير مستلزمات إدارة البلاد بما يتجاوز حالة الجمود والركود، التي عانتها الدولة في السنوات الأخيرة، والتوجه بنيةٍ صادقة وعزم أكيد نحو طريق الإصلاح والتنمية.
◄ التطلعات والتوجهات.. والتوافق
ولئن كانت البلاد تستعد اليوم لبدء عهد جديد، فقد رأينا أن من الواجب علينا أن نعلن ما يؤمل تحقيقه من توجهات، وما ينتظر تلبيته من تطلعات، حان الوقت للتوافق عليها لما فيه خير البلاد وصلاح أحوالها.
نتطلع بأمل إلى تحقيق ما غدا مستحقا من إصلاحات سياسية، في إطار الدستور، تبدأ بتعديل الدوائر، وتنظيم تسجيل الناخبين في الجداول تلقائيا وفق البطاقة المدنية، والتطبيق السليم والدقيق لقانون الانتخاب، الذي يمنع شراء الاصوات والذمم ويضبط عملية نقل أسماء الناخبين، بحيث تتمكن الأمة من اختيار ممثليها عبر انتخابات نزيهة وتنافس وطني بعيداً عن مساوئ النظام الانتخابي الحالي، وما أفرزه من ظواهر سلبية مؤسفة.
وكذلك نتطلع إلى أن يستعيد مجلس الوزراء وضعه الدستوري الحقيقي الكامل كحكومة مقررة للشأن السياسي في الدولة، وأن يتم اختيار الوزراء من أفراد العائلة أو من بين المواطنين، وفق معياري الكفاءة والأمانة، بحيث يتحمل المسؤولية الوزارية رجال دولة مقتدرون يملكون الرأي والإدارة والصدقية.
«ونأمل أن يتحقق التزام كامل بسيادة القانون وبالمساواة في تطبيقه على الجميع، واحترام سلطة القضاء وتأكيد استقلالها الناجز عن أي تأثير، وتطوير قانون المحكمة الدستورية بحيث يتمكن المواطنون من اللجوء المباشر إلى القضاء الدستوري، في إطار حق التقاضي، الذي كفله لهم الدستور.
إن ثقتنا كبيرة وأملنا عظيم في عهد جديد ونهج جديد، والله ولي التوفيق ومسند الخطى على الطريق».
21 يناير
- دعوة الأمير لأداء القسم
استأنف مكتب المجلس اجتماعاته صباحاً برئاسة رئيس المجلس جاسم الخرافي الذي حبس أنفاسه لثوان معدودة، ليبلغ أعضاء المكتب والنواب الحضور عن الدعوة التي تلقاها من سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله شخصيا، الصادرة عن قصر الشعب، التي يطلب فيها تحديد جلسة خاصة لأداء اليمين الدستورية غداً الأحد.
من الناحية المنطقية، يمكن القول إن الاجتماعات التي عقدتها الأسرة الحاكمة على مدار الأيام الثلاثة الماضية لم تخرج باتفاق بين أبناء ذرية مبارك الصباح، ولهذا جاء طلب تحديد جلسة لأداء القسم، الأمر الذي ترك انطباعا سلبيا عند النواب.
◄ أسئلة أمام النواب
استمرت محاولات الرئيس الخرافي في الاتصال بأطراف عدة كي تتوصل الأسرة الحاكمة إلى حل يرضي الجميع، قبل أن يدفع مجلس الوزراء بتفعيل المادة الثالثة من قانون توارث الإمارة «بعدم توافر القدرة الصحية لسمو الأمير الشيخ سعد العبدالله لتولي الإمارة، وأن يتخذ مجلس الأمة قراره بعزله من الإمارة بالدستور».
يتذكر النائب عادل الصرعاوي في شهادته (2) أن نواب المجلس «تباحثوا الجوانب الدستورية والقانونية للدعوة التي تم إرسالها من سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله، وهل يحق للمجلس أن يتجاهل رسالة من سموه؟، وهل يجوز لسموه أن يباشر صلاحياته قبل أداء اليمين الدستورية، أن يمارس صلاحياته قبل أن يؤديها؟ وهل يحق لسمو الأمير أن يخاطب مجلس الأمة مباشرة أم من خلال مجلس الوزراء؟»
ويشير الصرعاوي إلى أن من ضمن التساؤلات المطروحة: «لو قُدر أن توفى سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد خلال فترة غياب المجلس أثناء العطلة البرلمانية فمن الذي سيطلب انعقاد مجلس الأمة، هل هو الأمير؟ وبما أنه لم يؤد القسم فكيف سيصدر مرسوم الدعوة؟، وهل يجوز أن يرسل الأمير خطابا من قصره في الشعب وليس من خلال مجلس الوزراء؟، وكان علينا أن نقف أمام هذا الموضوع وبحثه دستوريا، وكان النائب مسلم البراك أحد النواب الحضور المؤيدين لهذا الطرح».
◄ الجزئية المحيرة
وفي هذه الجزئية المحّيرة أوضح النائب عبدالله الرومي أن «مكتب المجلس استدعى الخبيرين الدستوريين د. مصطفى كامل ود. عبد الفتاح حسن إلى قاعة الاجتماعات للتباحث في مدى دستورية مخاطبة سمو أمير البلاد مجلس الأمة مباشرة لتأدية اليمين الدستورية، وما الإجراءات السليمة للتعامل مع الدعوة، وتم تكليفهما للإجابة عن هذه التساؤلات بشكل رسمي ومكتوب، ثم غادرا القاعة».
في هذه الأثناء، اتصل رئيس المجلس جاسم الخرافي بأستاذ القانون الدستوري د. محمد الفيلي ليزوده برأيه الدستوري في أقرب فرصة ممكنة، على أن يكون مكتوباً (3).
وقال الفيلي إن رئيس المجلس جاسم الخرافي أعرب عن خشيته أن تكون هذه الدعوة غير صادرة من سمو أمير البلاد، لاسيما أن الجميع يعلم بصحة سموه، إضافة إلى أن الدعوة التي أرسلها سموه مذيلة بتوقيع إلكتروني وليس يدوياً.
وعقّب رئيس المجلس جاسم الخرافي على الحادثة «لدي معرفة جيدة بالخطابات الرسمية التي تصدر عن سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله، والدعوة التي تلقيتها لأداء اليمين الدستورية في جلسة خاصة كان ينقصها ختمه المعتاد في مراسلاته الرسمية الصادرة عنه».
وذكر النائب عادل الصرعاوي «إن الخرافي كان يتجه إلى تجاهل الدعوة، وعدم الرد عليها أو تخصيص جلسة لأداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية، وكان ردي أن هذه الدعوة لا يمكن تجاهلها لأنها أتت من شخص أصبح أميرا للكويت، إلا أن النقاش ذهب إلى الأخذ في شكلية الدعوة وآلية إرسالها إلى المجلس».
◄ محاولات لاجتماع السبت
مكتب المجلس والنواب الحضور وقبيل انتهاء الاجتماع، دعوا الخرافي إلى طلب لقاء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله للتأكد من الدعوة أولا، والاعتذار عن عدم الدعوة للجلسة الأحد، نظرا إلى أنها أرسلت في أقل من 24 ساعة، الأمر الذي يخالف المادة 72 من اللائحة الداخلية للمجلس.
وكشف نائب رئيس مجلس الأمة مشاري العنجري أن رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي باشر اتصالاته بسمو الأمير الشيخ سعد العبدالله، ولكنها فشلت يوم السبت، كما لم يفلح التواصل مع سمو الشيخ سالم العلي للوصول لأي نتيجة لظروف خاصة بهما.
◄ في الطابق الأرضي
في الطابق الأرضي من مجلس الأمة عقدت كتلة العمل الشعبي اجتماعا موسعا لمناقشة ما دار في قاعة الاجتماعات العلوية لمكتب المجلس بعد فض اجتماعه، حيث نقل النائب مسلم البراك ما أثير إلى أعضاء الكتلة، لاسيما أنه «لمس عدم رغبة الخرافي في تمكين سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله من أداء اليمين الدستورية، حسب تعبيره! فيما بين الخرافي ان الهدف كان تبني الإجراء الدستوري الصحيح».
ويرى النائب عادل الصرعاوي أن كتلة العمل الشعبي حاولت إيجاد مخرج لعقد الجلسة لأداء القسم عبر تفعيل المادة 72 من اللائحة الداخلية لمجلس الامة(4)، والتي تعطي الحق لعشرة نواب بالدعوة لعقد جلسة خاصة لأداء سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله اليمين الدستورية، لإلزام رئيس المجلس بقبول طلب عقد الجلسة.
◄ التسجيل الصوتي
وفي غمار الفوضى الدستورية، ترددت معلومات عن بدء المعسكر المؤيد لتولي سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله الإمارة بتسريب تسجيل صوتي منسوب لسموه يؤدي فيها اليمين الدستورية كاملة، يهدف لتأكيد قدرة سمو الأمير الشيخ سعد على أداء القسم، إلا أن هذا التسجيل لم يتأكد ولم يثبت.
وكان المعسكر المؤيد لتولي سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله الإمارة يهدف إلى تشويه صورة مجلس الأمة، وإظهار المجتمعين في مكتب المجلس بأنهم يسعون إلى عدم تمكين سمو الأمير الشيخ سعد العبدالله من الأداء اليمين الدستورية بذريعة وجود معوقات دستورية ولائحية، ولكن هذا الأمر غير صحيح، وإنما أراد مكتب المجلس برئاسة رئيس المجلس جاسم الخرافي أن يتبنى الإجراء الدستوري الصحيح، كما يقول.
ويعلق الخرافي على حادثة التسجيل الصوتي قائلاً «إن التسجيل الصوتي الذي انتشر خلال تلك الفترة كان مدبلجا وليس حقيقياً، وإن كان حقيقيا، فإن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والخبراء الدستوريين واضحة وألزمت سمو أمير البلاد أداء اليمين الدستورية وتلاوة نص القسم».
وبعد فض اجتماع مكتب المجلس لليوم، تسلم الخرافي في وقت متأخر رأي الخبراء الدستوريين، على أن يعرض نتائجه في اليوم التالي 22 يناير.
◄ .. في مجلس الوزراء
أما في الشارع المقابل لمجلس الأمة، فكان مجلس الوزراء يعقد اجتماعه بحضور الخبير الدستوري د. عادل الطبطبائي الذي شرح الإجراءات الدستورية الخاصة بتفعيل المادة الثالثة من قانون توارث الإمارة، وكلف لجنة مختصة بصياغة الطلب الخاص بتنحية سمو أمير البلاد الشيخ سعد العبدالله في رسالة تبعث إلى مجلس الأمة للتصويت عليها، كما حضر جانبا من الجلسة د. محمد الجارالله وزير الصحة السابق وشرح الحالة الصحية لسمو الشيخ سعد العبدالله(5).
وتضاربت المعلومات عن التقرير الطبي، في وقت لم يتخذ مجلس الوزراء بعد قراره هل ستتم صياغة تقرير طبي جديد عن حالة سموه أم الاكتفاء بالتقارير الطبية السابقة له، وهل سيتم إرسال التقرير إلى مجلس الأمة؟(6)
هوامش
1 - طالع وثيقة رقم 2؛ الموقعون على البيان: جاسم محمد الصقر، يوسف محمد النصف، جاسم القطامي، د.أحمد الخطيب، د.عبدالمحسن المدعج، د.سعد بن طفله العجمي، عبدالله محمد النيباري، عبدالعزيز سلطان، أحمد راشد الهارون، د.ساجد العبدلي، د.خليفة الوقيان، د.غانم النجار، أحمد الديين.
2 - مقابلة خاصة مع المؤلف
3 - مقابلة شخصية مع المؤلف
4 - تنص المادة 72 من اللائحة الداخلية على « يدعو الرئيس المجلس لعقد جلساته قبل المواعيد المقررة لعقدها بثمان وأربعين ساعة على الأقل، مع إرفاق جدول أعمال الجلسة والمذكرات والمشروعات الخاصة بها إذا لم يكن قد سبق توزيعها.
وللرئيس أن يدعو المجلس للاجتماع قبل موعده العادي إذا رأى ضرورة لذلك، وعليه أن يدعوه إذا طلبت ذلك الحكومة أو عشرة من الأعضاء على الأقل، ويحدد في الدعوة الموضوع المطلوب عرضه، ولا تتقيد هذه الدعوة المستعجلة بميعاد الثماني والأربعين ساعة المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
وإذا أجلت الجلسة ليوم غير معين كان الاجتماع في يوم الثلاثاء التالي وذلك مع مراعاة أحكام المادة السابقة وما لم يحدد الرئيس موعداً غيره.»
5 - جريدة القبس، 22 يناير 2006، رقم العدد 11721، الصفحة الأولى
6 - جريدة القبس، 22 يناير 2006، رقم العدد 11721، الصفحة الأولى
============================================================
==========================================================
الحلقة الخامسة:
الأمير استقبل الخرافي بحضور سالم العلي وفهد السعد
######
================
رابط الحلقات علي جريدة القبس
هhttp://www.alqabas.com.kw/node/825047
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق