الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

همزتك مفلقة المحار

يقول المرحوم محمد الفايز في ديوانه مذكرت بحار :

( أمسكت مفلقة البحار ؟
في الفجر مرتجفا لتكتمل القلادة
في عنق جارية تنام على وسادة
ريشية في حضن سيدها, ورائحة المحار ؟
بإزارك البحري تعبق, والبحار ؟
مملوءة درًا سيملكه سواي كحقول تلك الأرض, يا دنيا العذاب )

http://www.youtube.com/watch?v=ilEuX...eature=related


بعد عودتي من أمريكا..وفي انتظاري وتلهفي للوظيفة كنت انتظر حتى الخامسة صباحا لألتقط الجريدة قبل أن يضعها المندوب في الصندوق لكي ابحث فيها لعل ديوان الموظفين انزل أسماء جديدة يكون اسمي معهم..وفي أحد تلك الأيام في بداية شهر يناير كان الجو فيها شديد البرودة خرجت كالعادة لاصطياد الجريدة ..وقع نظري علي أخي الأكبر الذي يعمل بالنفط وهو يسخن سيارته استعدادا لمشوار عمله اليومي والذي يبدأ من الخامسة صباحا وينتهي في الثالثة عصرا..لاحظت انه يرتجف من البرد وهو في انتظار أن تسخن السيارة..فاقتربت منه وعرضت عليه الجاكيت الثقيل الذي كنت ارتديه..رفض وقال لي ( متعودين )..عدت للبيت مع جريدتي لأجد فيها خبر غريب شدني..وهو مقايضة احدي سيدات الأعمال الكويتي لمجمع تجاري مقابل عقد لؤلؤ..تصوروا عقد لؤلؤ واحد قيمته عدة ملايين من الدنانير..وفي الحال تذكرت أخي الذي كان يرتجف من البرد ذاهبا لعمله في حقول النفط البعيدة ليخرجه من الأرض وليتحول هذا النفط بقدرة قادر إلي عقود لؤلؤ ملايينية لتلك السيدة الغنية وأمثالها..وصدمتني فكرة أن التاريخ يعيد نفسه بشكل غريب..ففي الماضي كان البحار يستيقظ في الفجر مرتجفا. من البرد .لينزل في أعماق البحار ليلتقط اللؤلؤ..الذي يجد طريقه لأعناق جواري الطواش.مقارنة عجيبة وغريبة بين عامل النفط في الكويت الذي يقضي حياته بين حقول النفط متعرضا لكل أنواع التلوث الكيماوي والحراري..وإخطار الانفجارات التي قد تحدث في المواقع النفطية في أي لحظة كالذي حدث قبل عدة سنوات في احد المواقع ومات فيها عدة عمال نفطيين وما زلت اذكر كلمات احد زملائهم الذي كان يحدثنا في الديوانية وهو يغالب الدموع من عينيه..يقول كانت آخر كلماتهم رحمهم الله في اتصال مع زملائهم في موقع آخر ( لحقوا علينا عندنا كراك )..والكراك هو تصدع في جدار احد الخزانات النفطية يقول ..لم ينهوا جملتهم حتى سمعنا صوت الانفجار المرعب..رحمهم الله..
هؤلاء العمال تتشابه أحوالهم وظروفهم مع ذلك البحار الفقير الذي كان يرهن بيته وبعض إغراض أهله ويبتعد عنهم ثلاثة أشهر ..متعرضا لكل أنواع المخاطر والأهوال داخل البحر وخارجه علي عرض تلك السفينة التي كانت تمخر عباب البحر فيهم الي أقاصي بقاع البحر فقط ليزيد الغني غني..ولتفرح تلك الجارية بعقد اللؤلو الذي جاء من دم وعرق ذلك البحار البسيط..
عمال النفط يعملون علي إنتاج الذهب الأسود الذي تبيعه الدولة بمليارات الدولارات..يجد جزء كبير منها طريقه إلي جيوب التجار..علي شكل مناقصات مليونية سهلة..لا يبذلون فيها عناءا كبيرا..فقط وكالة من شركة أجنبية تقوم بالعمل كله ووافدين يديرون الشركة بالكامل..
لهذا جاءت الزيادات النفطية لاصلاح وتعديل هذا الوضع عير العادل..فمن زرع هو أولي بالحصاد..ومن تقاطرت حبات عرقه وتعرض للمصاعب في سبيل إنتاج هذا النفط هو أولي بجزء ليس يسير من مردوده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق